المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يتفقان على إعادة ضبط العلاقات

اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على إعادة ضبط تاريخية للعلاقات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد 5 سنوات من حدوثه.
فقد وافقت المملكة المتحدة على فتح مياهها المخصصة للصيد لمدة 12 عاماً أخرى أمام قوارب الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة ستُدينها المعارضة المحافظة- وفقاً لمسؤولي بروكسل. وفي المقابل، حصل رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، على صفقة بيطرية ستُزيل الكثير من البيروقراطية المفروضة على صادرات بريطانيا الزراعية والسمكية إلى كبرى أسواقها، في مكافأة اقتصادية طال انتظارها من محادثات «إعادة الضبط».
Three deals within two weeks.I’ve rolled up my sleeves to deliver for British people, British jobs, and British businesses.We’re putting money back in your pocket. pic.twitter.com/lZylsrMYZ3
— Keir Starmer (@Keir_Starmer) May 19, 2025
وخاض الجانبان مساومات مكثفة حول تفاصيل رئيسية لعلاقتهما المُجددة، بما في ذلك مصايد الأسماك وتجارة الأغذية، بالإضافة إلى صياغة خطة مقترحة لتنقل الشباب.
وقال رئيس الوزراء كير ستارمر إن الاتفاقات ستقلل من الروتين، وتنمِّي الاقتصاد البريطاني، وتعيد ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2020.
واستضاف ستارمر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وغيرها من كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي في لندن في أول قمة رسمية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبموجب الاتفاقات، ستسمح شراكة دفاعية وأمنية جديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي للمملكة المتحدة بالوصول إلى برنامج قروض دفاعية من الاتحاد الأوروبي بقيمة 150 مليار يورو (170 مليار دولار).
وتشمل الاتفاقات الأخرى إلغاء بعض الفحوص على المنتجات الحيوانية والنباتية؛ لتسهيل تجارة المواد الغذائية عبر الحدود، وتمديد اتفاقية لمدة 12 عاماً للسماح لسفن الصيد التابعة للاتحاد الأوروبي في المياه البريطانية.
وقال ستارمر: «لقد حان الوقت للتطلع إلى الأمام. للمضي قدماً (بعيداً) عن النقاشات القديمة البالية والمعارك السياسية؛ لإيجاد حلول منطقية وعملية تحقق الأفضل للشعب البريطاني».
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، فإن المملكة المتحدة تضررت من انخفاض صادراتها بنسبة 21 في المائة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي بسبب عمليات التفتيش الحدودية الأكثر إرهاقاً والأعمال الورقية الشاقة وغيرها من الحواجز.
إعادة ضبط العلاقات
منذ توليه منصب رئيس الوزراء في يوليو (تموز) الماضي، سعى ستارمر إلى إعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات من التوترات في أعقاب استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
كانت العلاقات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي محكومة باتفاقية تجارية تَفاوَض عليها رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. ويعتقد ستارمر أنه يمكن تحسين ذلك بطريقة تعزز التجارة وتدعم الأمن.
وقال وزير التجارة جوناثان رينولدز، لراديو «التايمز»: «يتعلق الأمر بجعل الناس أفضل حالاً، وبجعل البلاد أكثر أماناً، والتأكد من وجود مزيد من الوظائف في المملكة المتحدة».
ولفت ستارمر من جهته إلى أن العلاقات الأقوى مع الاتحاد الأوروبي ستجلب «مزيداً من الفوائد للمملكة المتحدة» بعد الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها المملكة المتحدة في الأسابيع الأخيرة مع الهند والولايات المتحدة.
الحواجز غير الجمركية
على الرغم من عدم فرض رسوم جمركية على تصدير السلع بين الجانبين، فإن مجموعة من الحواجز غير الجمركية جعلت التجارة أكثر صعوبة. كما أعاقت القيود المفروضة على تأشيرات الدخول بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أنشطة المهنيين عبر الحدود مثل المصرفيين والمحامين، وكذلك التبادل الثقافي، بما في ذلك الفرق الموسيقية المتجولة والرحلات المدرسية.
منذ أن تولى حزب العمال السلطة العام الماضي بعد 14 عاماً من حكومة المحافظين، وهي الفترة التي اتسمت إلى حد كبير بالاضطرابات التي أحاطت بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتبعاته، سعى الجانبان إلى تحسين العلاقات.
كان ذلك أكثر وضوحاً في الرد الأكثر تنسيقاً على الحرب الروسية على أوكرانيا في أعقاب تغيير واشنطن نهجها بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
لكنَّ ستارمر شدد على أن المملكة المتحدة لن تنضم مجدداً إلى السوق الموحدة والاتحاد الجمركي غير الاحتكاكي للاتحاد الأوروبي، ولن توافق على حرية تنقل الأشخاص بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الأمن والصيد وتنقل الشباب
ركَّزت المحادثات على تعزيز العلاقات إلى حد كبير على الأمن والدفاع، وعلى خطة تنقل الشباب التي من شأنها أن تسمح للشباب البريطانيين والأوروبيين بالعيش والعمل مؤقتاً كل منهم في أراضي الآخرين.
ولا تزال هذه القضية حساسة من الناحية السياسية في المملكة المتحدة، حيث ينظر إليها بعض مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنها عودة إلى حرية التنقل -على الرغم من أن المملكة المتحدة لديها بالفعل ترتيبات لتنقل الشباب مع دول مثل أستراليا وكندا.
وهناك قضية أخرى لطالما كانت نقطة شائكة في العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي صيد الأسماك، وهي قضية ثانوية من الناحية الاقتصادية ولكنها مهمة من الناحية الرمزية للمملكة المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا. وكادت الخلافات حول هذه القضية تعرقل اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2020.
وتغطي القمة أيضاً مواءمة المعايير المتعلقة ببيع المنتجات الزراعية، والتي يمكن أن تلغي الفحوصات المكلفة على المنتجات الغذائية المصدرة عبر القنال الإنجليزي.
وقال مفاوض حكومة ستارمر مع الاتحاد الأوروبي، نيك توماس-سيموندز إنه واثق من إمكانية تحسين التجارة بالنسبة إلى الواردات والصادرات الغذائية. وأضاف لشبكة «بي بي سي»: «نحن نعلم أن لدينا شاحنات تنتظر لمدة 16 ساعة، وأغذية طازجة في الخلف لا يمكن تصديرها، لا يمكن تصديرها لأن الأمر بصراحة مجرد روتين، ونحن نريد بالتأكيد تقليل ذلك».
المعارضة تعترض على «الاستسلام»
قد تكون بعض المقايضات صعبة على ستارمر، الذي يواجه تحديات متزايدة من حزب الإصلاح البريطاني المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمناهض للهجرة، ومن المرجح أن يرى اتهامات بـ«خيانة بريكست»، مهما كانت نتيجة المحادثات.
وقد وصف حزب الإصلاح، الذي حقق مؤخراً فوزاً كبيراً في الانتخابات المحلية، وحزب المحافظين المعارض، الاتفاق بالفعل بأنه «استسلام» للاتحاد الأوروبي قبل تأكيد أي تفاصيل.
كما يمكن أن يشكل ترمب، الذي دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صداعاً محتملاً لستارمر.
وقالت جانيك واتشوياك، الباحثة المشاركة في مركز أبحاث «المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة»: «لا يزال من الممكن أن تنحرف إعادة الضبط عن مسارها بسبب الخلافات حول كيفية تعزيز مجالات التعاون القائمة مثل مصايد الأسماك و/أو العوامل الخارجية، مثل رد الفعل السلبي من الولايات المتحدة على سعي المملكة المتحدة إلى توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي».
aawsat.com