أزعور: بعثة من صندوق النقد الدولي في سوريا هذا الأسبوع لتقييم الأوضاع

كشف مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، الدكتور جهاد أزعور، عن توجه بعثة من الصندوق إلى سوريا هذا الأسبوع، في خطوة مهمة تهدف إلى تقييم الأوضاع المالية والاقتصادية عن كثب.
تأتي هذه الزيارة في سياق جهود دولية متزايدة لدعم إعادة تأهيل الاقتصاد السوري بعد سنوات من النزاع والعزلة، وبعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية يوم الجمعة رسمياً رفع العقوبات عن سوريا.
وقال أزعور لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في جلسة «التطورات والآفاق الاقتصادية العالمية والإقليمية» التي نظمها صندوق النقد الدولي الرياض، إن البعثة ستطّلع على واقع المؤسسات السورية، بما في ذلك المصرف المركزي ووزارة المالية وهيئات الإحصاء. الهدف من ذلك هو تحديد الحاجات المتعلقة بالمؤسسات والدعم التقني المطلوب، لوضع إطار تعاون شامل مع سوريا يحدد الأولويات لتأمين المشورة والدعم التقني وتدريب الكوادر الأساسية.
تعكس هذه الزيارة التزام الصندوق بالعمل بشكل مباشر مع السلطات السورية. ومن المقرر أن يزور أزعور دمشق أواخر يونيو (حزيران)، بعد أن ترفع البعثة تقريرها.
يأتي تحرك صندوق النقد الدولي بعد تعيين الخبير الاقتصادي رون فان رودن رئيساً لبعثته إلى سوريا في أبريل (نيسان) 2025، وهي المرة الأولى التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار منذ اندلاع الحرب في البلاد.
وكانت مديرة إدارة الاتصالات في الصندوق، جولي كوزاك، قد أعلنت منذ أيام عن إجراء «مناقشات مفيدة» مع الفريق الاقتصادي السوري، تمهيداً لدعم جهود إعادة تأهيل الاقتصاد السوري.
وأوضح أزعور أن التواصل مع المسؤولين السوريين بدأ منذ مؤتمر الاقتصادات الناشئة الذي استضافته مدينة العلا السعودية في فبراير (شباط) الماضي، حيث عُقد اجتماع مع وزير الخارجية السوري علي الشيباني. واستكملت المناقشات في اجتماعات الربيع الأخيرة لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، والتي شهدت جلسة خاصة بسوريا بناءً على طلب من وزير المالية السعودي محمد الجدعان، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، ورئيس البنك الدولي أجاي بانغا.
بيان مشترك لوزير المالية ومدير عام صندوق النقد الدولي ورئيس مجموعة البنك الدولي بشأن سوريا.https://t.co/ARSYyKjFUc#واس_عام pic.twitter.com/OGsTp1F4yk
— واس العام (@SPAregions) April 25, 2025
اجتماعات الربيع: نقطة تحول
شكَّلت اجتماعات الربيع الأخيرة نقطة تحول مهمة لسوريا، حيث قدمت فرصة، بعد سنوات طويلة من العزلة، لإعادة دمجها في المجتمع المالي والاقتصادي الدولي. كما أتاحت الفرصة للحكومة السورية لعرض جهودها الرامية إلى استقرار وإعادة بناء البلاد، مما سمح للمجتمع الدولي بفهم التحديات والأولويات السورية بشكل مباشر.
وفي بادرة دعم مالي بارزة، أعلنت السعودية وقطر التزامهما بدفع ديون سوريا للبنك الدولي. هذه الخطوة تمهد الطريق لاستئناف عمليات البنك في سوريا بعد تعليق دام أكثر من 14 عاماً، وهو ما يعزز فرص البلاد في الحصول على تمويل دولي لدعم جهود إعادة الإعمار.
يوم الجمعة، رفعت الولايات المتحدة رسمياً العقوبات الاقتصادية عن سوريا. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في بيان، إنه يجب على سوريا «مواصلة العمل لكي تصبح بلداً مستقراً ينعم بالسلام، على أمل أن تضع الإجراءات المتخَذة اليوم البلاد على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر». وقال وزير الخارجية ماركو روبيو، في بيان، إنه أصدر إعفاء لمدة 180 يوماً من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر لضمان عدم إعاقة العقوبات للاستثمارات، وتسهيل توفير الكهرباء والطاقة والمياه والرعاية الصحية وجهود الإغاثة الإنسانية.
السعودية ومرونتها المالية
وفيما يتعلق بالسعودية، قال أزعور إنها تتمتع بمرونة اقتصادية تمكِّنها من مواجهة أي تقلبات في أسعار النفط العالمية. وأوضح أن المملكة تمتلك احتياطيات مالية كبيرة تمنحها وسادة أمان قوية ضد الصدمات الخارجية. هذه الاحتياطيات، إلى جانب الإصرار على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية ضمن إطار «رؤية السعودية 2030»، عززت بشكل كبير من قدرة الاقتصاد السعودي على التكيف.
وأشار أزعور إلى أن هذه الإصلاحات لم تقتصر على تعزيز مرونة الاقتصاد فحسب، بل أسهمت أيضاً في تنويع مصادر الدخل بشكل فعال، ورفع مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. هذا التوجه نحو تنمية القطاعات الواعدة يقلل من الاعتماد على إيرادات النفط، ويخلق فرصاً اقتصادية جديدة ومستدامة.
وشدد على أن «الآليات الموجودة في المملكة والسياسات المالية المعتمدة وتنفيذ رؤية 2030 تسمح لها بالتكيف مع التحولات العالمية، رغم التحديات القائمة حالياً».
التنويع الاقتصادي
كان أزعور قد حذر خلال الجلسة دول المنطقة على مواصلة زخم الإصلاحات الاقتصادية لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة، مشدداً على أن تسارع المخاطر الدولية يلقي بظلاله على اقتصادات الشرق الأوسط. وأوضح أن التطورات الجيوسياسية تمثل المصدر الأكبر لعدم اليقين في المنطقة، مشيراً إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت صدمات متتالية أثرت سلباً على دول مثل لبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة، حيث خسرت هذه الدول ما يتجاوز 50 إلى 60 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. ولم تقتصر هذه الصراعات على بؤرها الأصلية، بل امتدت آثارها إلى الدول المجاورة مثل الأردن ومصر، التي عانت من اضطراب طرق التجارة. فعلى سبيل المثال، خسرت مصر نحو 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس في أقل من عام، بينما تراجع دخل الأردن من السياحة، وهو قطاع حيوي ومصدر رئيسي للوظائف.
وسلّط أزعور الضوء على وجود مسارين اقتصاديين مختلفين في المنطقة. فدول مجلس التعاون الخليجي نجحت في الاستفادة من جهود التنويع الاقتصادي، مما أسهم في تحقيق نمو مستدام يتراوح بين 3 و5 في المائة خلال السنوات الثلاث إلى الأربع الماضية. وقد دعم هذا النمو الإصلاحات وتسريع التحول الاقتصادي في هذه الدول. في المقابل، لم تكن الدول الأخرى المصدرة للنفط بنفس الاستدامة في مسارها الاقتصادي.
على الرغم من المشهد الضبابي، يتوقع مسؤول صندوق النقد الدولي تعافياً عاماً في معظم دول المنطقة هذا العام، مع وتيرة تعافٍ أقوى في الدول المصدرة للنفط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، التي يُتوقع أن تحقق زيادة تقارب 1 في المائة هذا العام ومثلها في 2026، مدفوعةً بمساهمة القطاعات غير النفطية. أما الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليج، فتعتمد أوضاعها على تطورات أسعار النفط، مع توقع نمو أقل قليلاً مقارنةً بالتوقعات السابقة بسبب حالة عدم اليقين.
aawsat.com