مقال ⁄سياسي

الدفع مقابل البقاء ولاعزاءلمن لا يملكون

الدفع مقابل البقاء  ولاعزاءلمن لا يملكون

 بقلم .عبد الحفيظ عبدالقادر 

   بينما تتطلع الأجيال الجديدة من البشرية فى مشارق الأرض و مغاربها فى ظل التقدم الحضاري والعلمى و التطور التكنولوجي فى عصر ثورة الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والفتوحات الفضائية ، إلى واقع سياسي واقتصادي واجتماعي يتماشى مع مخرجات و منتجات هذا العصر فإذا هم يصطدمون باختلاف أساسي و تباين جوهرة فى حقائق الواقع فى دوائر صناعة القرارات والسياسات والاستراتيجيات الدولية والإقليمية والقطرية التي صممت لإدارة شؤون العالم و السيطرة عليه  ، أن منظومة الأفكار والمعتقدات والايدولوجيات التى تتحكم في رقاب الناس و تحكم قبضتها على شؤونهم الحياتية ، تدير حاضرهم وفق رؤيتها و تشكل مستقبلهم بحسب رغباتها و طموحاتها ، نجدها مازالت و ستظل بعيدة كل البعد عن مخرجات و ثمرات هذه الحضارة الحديثة والتطور العلمى والتكنولوجي الهائل الذى نشهده فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. 

          أمام هذا الواقع المحبط لابد أن نلتمس العزر لهذا الجيل التعيس من الأبناء والأحفاد الذين غرقوا فى حالة متأخرة من الإحباط والحسرة لأنهم وجدوا أمامهم صورة طبق الأصل مما كان سائدا من ممارسات العصور المظلمة ، عهود الفتونة والفتوات حيث كانت تسود أعراف و قوانين البلطجة ( الدفع مقابل التمتع بالحياة ) كان منطق قوة البطش و الردع هو من  يفرض نظام الحصول على الأمن و الحماية والأمان الاجتماعي و فرص العمل والرفاه الاقتصادي من خلال ما يدفعه المواطن من أموال ( اتاوات ) لهولاء البلطجية و الفتوات نظير توفيرهم هذه الخدمات الأساسية و الحياتية وهكذا صورت افلام سينما منتصف الألفية الماضية واقع تلك الأيام والأزمنة فى إدارة شؤون الكون و تلبية احتياجات العباد والبلاد.

             نعم اليوم فى عالمنا المتحضر نشهد حالة حرجة من  التردى السحيق الذى تبدوا فيه السيادة والسيطرة لمنطق قوة البطش و الردع المعنية حصريا دون غيرها بتوفير الحماية والأمان مقابل ما تدفعه من أموال و تبعية تحت غطاء مسمى شركائنا.

         فى عالمنا المعاصر من يملكون النفوذ واسع النطاق فى السياسة الدولية والإقليمية  والقدرات الاقتصادية والمعلوماتية الوافرة و القوة العسكرية الرادعة هم من يفرضون على الآخرين أجندتهم و سياساتهم من تلقاء أنفسهم لا بطلب من زيد أو إشارة نجدة من عمر و فعلاً هذا هو منطق البلطجية و الفتوات ( الدفع مقابل البقاء ) ، اليس هذا هو أيضا شعار الرئيس ترمب الذي استهل به دورة حكمه الاولى للولايات المتحدة الأمريكية موجهاً رسالته إلى الأغنياء من دول العالم فى أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والخليج و قال بالحرف الواحد (  هناك دول ما كان لها أن تبقى اسبوعا من دون حمايتنا ) و اردف قائلا ( يجب أن تدفعوا لنا مقابل الحماية التي نقدمها لكم ) ونذكر جيدا تصريحه الشهير الذى تناقلته الصحف العالمية والفضائيات فى وقتها ، قلت لملك السعودية ( انتم أغنياء ولديكم اموال كثيرة جدا لذلك يتعين عليكم أن تدفعوا لنا الكثير والكثير منها ) و كان ذلك فى عام ٢٠١٧م عندما سجل اول زيارة له للمملكة العربية السعودية و حصل على مبلغ ( ٣٥٠ ) مليار دولار استثمارات سعودية كان من بينها (١١٠) مليار صفقة أسلحة و فى عام ٢٠٢٢م أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن ال ثاني أن بلاده استثمرت مبلغ ( ٢٠٠ ) مليار دولار فى الولايات المتحدة الأمريكية و كانت دولة قطر فى العام ٢٠١٩م قد استثمرت مبالغ كبيرة فى الاقتصاد الأمريكي منها مبلغ ( ٨ ) مليار دولار لتجديد و توسعة قاعدة العديد الأمريكية فى قطر وصفقات أسلحة مهمة.

      و لدى مشاركته فى منتدى دافوس الاقتصادي في يناير ٢٠٢٥م أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنه يتطلع إلى الحصول على استثمارات سعودية بملبغ تريليون دولار ( الف مليار دولار ) وكان قبله ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء قد صرح بأن بلاده تعتزم استثمار نحو ( ٦٠٠ ) مليار دولار فى الاقتصاد الأمريكي.

    على أية حال غادر الرئيس ترمب عائداً إلى بلاده وقد حصدت زيارته إلى المنطقة ( ٦٠٠ ) مليار دولار استثمارات سعودية قابلة إلى الارتفاع إلى ترليون دولار و تعهد استثمارى قطري بمبلغ ترليون و ٢٠٠ مليار دولار  ستضخ هذه الاستثمارات الواعدة في مختلف القطاعات الاستثمارية الأمريكية الحيوية  و ستحقق عوائد و منافع مشتركة لكافة الشركاء.

   و يرى محللون إن هذه الاستثمارات الأمريكية السعودية تصب فى خانة تغذية مرامى و غايات رؤية السعودية عام ٢٠٣٠م تلك الخطة الاستراتيجية الطموحة التي تبناها و يرعاها ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء و تسعى إلى إحداث نقلة نوعية هائلة فى اقتصاد المملكة خاصة في قطاعاته غير ذات الصلة بالنفط بما يرتقى به إلى آفاق أوسع وارحب من النمو  والتطور العلمى والتكنولوجي.