شيء للوطن م.صلاح غريبة يكتب : نجوى قدح الدم: أدوار محورية

في السابع والعشرين من مايو عام 2020، غيب الموت الناشطة السودانية نجوى قدح الدم، المستشارة الخاصة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، متأثرة بإصابتها بفيروس كورونا. جاء خبر وفاتها ليكشف الستار عن محاولات إجلاء طبية عاجلة، طائرة خاصة تحمل فريقًا طبيًا إسرائيليًا هبطت في الخرطوم، في مؤشر على مدى أهميتها ودورها الغامض الذي لازمها طوال مسيرتها.
لطالما أحاط الغموض بشخصية نجوى قدح الدم وأدوارها، خاصة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وبعد سقوطه كذلك. من هندسة المصالحات إلى نسج خيوط اللقاءات السرية، كانت نجوى قدح الدم لاعباً أساسياً في كواليس السياسة السودانية والإقليمية.
تُعدّ نجوى قدح الدم الشخصية المحورية التي هندست اللقاء التاريخي بين رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في عنتبي الأوغندية مطلع فبراير 2020. كانت الوحيدة التي ظهرت صورها وهي تصافح نتنياهو، في لقطة أثارت جدلاً واسعاً وانقساماً حاداً في الشارعين السياسي والشعبي السوداني. ورغم تحفظها عن الإدلاء بمعلومات مؤكدة، أشارت تقارير عديدة إلى أنها عكفت على الإعداد لهذا اللقاء لأشهر، بالتواصل مع شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى، بما في ذلك المحامي نيك كوفمان ومستشار نتنياهو للأمن القومي ورئيس الموساد.
لم يكن هذا الدور الدبلوماسي الأول لنجوى قدح الدم. فمن خلال قربها الشديد من الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، الذي كان يعتبرها بمثابة ابنته، نجحت في تحقيق مصالحة تاريخية بينه وبين الرئيس المعزول عمر البشير عام 2015. هذه المصالحة غيرت مسار العلاقة بين الخرطوم وكمبالا، بل وحوّلت موسفيني إلى أحد أبرز الداعمين للبشير في معركته ضد المحكمة الجنائية الدولية.
بعد إنجاز ملف العلاقة مع أوغندا، تحولت جهود نجوى قدح الدم نحو الوساطة بين البشير ومعارضيه، وعملت على إنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، بالإضافة إلى نشاطها في عملية السلام بجنوب السودان. منحها البشير وسام النيلين عام 2018 وجوازاً دبلوماسياً بدرجة سفير، تقديراً لأدوارها الحيوية.
بعد سقوط نظام البشير، ظل مصير نجوى قدح الدم غامضًا، لا سيما مع المطالبات بإبعاد كل من عمل مع النظام السابق. إلا أن البرهان أبقى عليها سفيرة في القصر الرئاسي، مما أثار تساؤلات حول طبيعة علاقتها بالبرهان والأدوار التي أوكلها إليها. ظلّ سؤال “لصالح من تعمل نجوى قدح الدم؟” يتردد حتى بعد وفاتها، مع تأكيد البعض على أنها كانت “شخصية مفتاحية” تتمتع بقدرة على الوصول إلى أعلى المستويات. إجابتها على هذا السؤال كانت دائماً أنها تعمل لمصلحة بلادها وأمن المنطقة وتنميتها.
مهندسة ميكانيكية تخرجت في جامعة الخرطوم، وحصلت على الماجستير في الطاقة المتجددة، ثم التحقت بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وجامعة زيمبابوي. تزوجت أستاذها الألماني أحمد نومان قبل أن تنفصل عنه. ورغم أن التقارير الصحفية أشارت إلى حصولها على الجنسية النمساوية، إلا أنها نفت ذلك رسميًا.
إن مسيرة نجوى قدح الدم، بأدوارها الغامضة والمحورية، تظل تثير الكثير من التساؤلات. لقد كانت شخصية قادرة على نسج العلاقات والتحركات في الخفاء، مؤثرة في قرارات كبرى، سواء في عهد البشير أو بعد سقوطه. وفاة نجوى قدح الدم لم تُغلق باب الغموض الذي أحاط بها، بل ربما فتحت آفاقاً جديدة للتساؤل عن أبعاد دورها الحقيقي وتأثيرها الخفي في المشهد السوداني والإقليمي. فهل ستكشف الأيام المقبلة عن مزيد من تفاصيل تلك الأدوار؟
تابعنا على الواتساب لمزيد من الاخبار
azzapress.com